-A +A
بشرى فيصل السباعي
كالعادة تحول خطاب حسن النوايا الأمريكي تجاه العرب والمسلمين الذي ألقاه الرئيس أوباما لمناسبةٍ لإذلال الرئيس شخصيا وكامل الموقف الرسمي الأمريكي بالعنجهية التي تعامل بها المسؤولون الإسرائيليون معه والذي جعل حتى معلقين أمريكيين يصرحون بأنهم شعروا بالاستفزاز من عنجهية التعامل الإسرائيلي واضطرار الرئيس الأمريكي وعلانية لتلقي الدروس من نتنياهو والتراجع منكسرا أمام اجتماع اللوبي الصهيوني «إيباك» وهذه عقدة العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي، فكل خطاب وإجراء حسن نوايا أمريكي يصطدم بجدار التأييد الأعمى لإسرائيل التي صارت كالبقرة التي لا تمس في السياسة الأمريكية والعالمية مهما اقترفت من جرائم، ومشهد الساسة الأمريكيين وهم يتكالبون على تملق «إيباك» بات مثارا للسخرية وبرهانا على مدى هيمنة اللوبي الصهيوني، وحسب استطلاع رأي أوروبي فإسرائيل وأمريكا بسبب تأييدها لإسرائيل هما الخطر الأكبر على السلام العالمي، وحسب استطلاع أوروبي آخر عن سمعة الدول جاءت إسرائيل في قعر القائمة إلى جوار كوريا الشمالية الشيوعية الدكتاتورية التي تجوع شعبها، وكل استطلاعات الرأي الأمريكية على العرب والمسلمين تقول إنهم لا يكرهون الأمريكيين إنما يكرهون سياساتهم الخارجية وتأييدها لإسرائيل التي كلفت أمريكا أكثر من 1.6 تريليون دولار منذ عام 1975، وكان ملايين المعوزين الأمريكيين أولى بها، خاصة أنه أنفق على دولة ثرية، وتتلقى إسرائيل سنويا ثلاثة مليارات دولار مساعدات مباشرة إلى ستة مليارات غير مباشرة عدا تزويدها بالأسلحة التي تستعملها ضد العرب كما في مجازر اجتياح غزة وجنين ولبنان، ولهذا يرافق كل جريمة إسرائيلية دعوات لمقاطعة البضائع الأمريكية، لكن جدار الصمت في الضرر الذي يلحق بأمريكا جراء حلفها مع إسرائيل بدأ في التصدع في أعقاب أحداث 11 سبتمبر والبحث عن جواب لسؤال لماذا يكرهوننا؟ حيث جاهر عدد من المسؤولين والسفراء والخبراء الأمريكيين بأن الجواب هو حلف أمريكا مع إسرائيل، فهو سبب مقتل آلاف المدنيين والعسكريين الأمريكيين وحالة الخوف التي يعيشها الأمريكيون من الإرهاب وتوريط أمريكا في الحروب ضد دول الشرق الأوسط واستنزافها ماليا بها وانتهاك حريات الأمريكيين وإذلالهم في مطاراتهم بالصور الكاشفة والتفتيش اليدوي للأجزاء الخاصة، فرئيس وحدة المخابرات الأمريكية لتتبع بن لادن مايكل شويير قال إن سبب الإرهاب ضد أمريكا هو تأييدها لإسرائيل وإنها لا تمثل مصلحة استراتيجية لأمريكا وليس لديها أي ثروات، وفي جلسة استجواب الكونجرس لمسؤولين في المباحث الفدرالية عن دوافع من قام بأحداث 11 سبتمبر كان الجواب تأييد إسرائيل، وقال تقرير الكونجرس الرسمي إن خالد شيخ العقل المدبر شارك فيها ليس بدافع التطرف الديني إنما لتأييد أمريكا لإسرائيل، راي ماجافيرن كبير المحللين في المخابرات الأمريكية وعمل مع الرؤساء الأمريكيين منذ ريجان قال إن سبب الإرهاب ضد أمريكا هو دعمها لإسرائيل وصياغتها كامل سياستها مع العالم العربي على أساس هذا الحلف المضر بأمريكا وبسببه أيدت أنظمة دكتاتورية كما في مصر التي حكومتها السابقة باعت الغاز المصري لإسرائيل بثلث الثمن وأقل من تكلفة استخراجه ومعفي من الضرائب وبخسائر وصلت لسبعين مليار دولار، بينما الشعب المصري يتصارع على عبوات الغاز التي يشتريها بالثمن العالمي، بالإضافة لمساهمتها في حصار الشعب الفلسطيني والذي رفعته حكومة ما بعد الثورة، الكولونيل ل. ويلكرسون رئيس طاقم وزير الخارجية السابق كولن باول قال إن إسرائيل عبء استراتيجي وإن أمريكا واقعة في أسر نفسي لهذا الحلف الذي لا مبررات موضوعية له، ومن وزارة الخارجية الأمريكية أندروا كيلجور ويوجين بيرد صرحا بأن القرارات الأمريكية تجاه المنطقة لا تبالي بالمصلحة الأمريكية ومدفوعة بهيمنة اللوبي الصهيوني وأن إسرائيل تلعب دورا تحريضيا بين العرب وأمريكا لكي تبقى أمريكا تتوهم أن هناك عدوا متربصا بها في المنطقة وإسرائيل هي حليفها الوحيد فيها، وتاريخيا أول من كسر جدار الصمت هو السناتور الأمريكي الجمهوري بول فندلي الذي ألف كتبا عدة حول هذا الموضوع وفقد منصبه بسببه، وقال إن أحداث 11سبتمبر وما ترتب عليها هو بسبب خضوعها للوبي الصهيوني، واستشهد بقول عضو الكنيست الإسرائيلي بأن «أمريكا تحكم العالم وإسرائيل تحكم أمريكا» وألف كتابا فند فيه الصور النمطية السلبية عن المسلمين والتي ساهمت في جعل الرأي العام ينحاز لإسرائيل. وهناك الدكتور نورمان فنكليستين الأمريكي اليهودي الذي مات أقاربه في معسكرات النازية والمشهور بتأييده للنضال المسلح ضد إسرائيل وفضح تلاعب اللوبي الصهيوني بالسياسات الأمريكية وابتزازه المليارات من أوروبا باسم التعويضات عن جرائم النازية بينما لم يعطوا منها شيئا للضحايا واستعمال تهمة معادة السامية كسلاح ضد منتقدي جرائم إسرائيل، ويعتبر مع البروفيسور نعوم تشومسكي الكاتب الأمريكي اليهودي من أقوى المتحدثين عالميا لصالح العرب ضد إسرائيل؛ لأنه يندر أن يجرؤ غير اليهود على الجهر بالحقيقة؛ خوفا من تهمة معاداة السامية، والصهاينة يسمونهم «باليهود الكارهين ليهوديتهم أو لأنفسهم» وهناك دراسة وكتاب باسم (اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية) ــ 2007 للبروفيسور جون ميرشيمير، والبروفيسورستيفين والت، الذي أحدث ضجة لأنه وثق ارتهان السياسة الأمريكية الخارجية للوبي الصهيوني ضد مصالح أمريكا، والرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر ألف كتابا أسماه باسم يشبه وضع فلسطين بوضع جنوب أفريقيا أثناء فترة حكم الفصل العنصري الظالم وندد بمحاصرة اللوبي الصهيوني لمنتقدي إسرائيل، فأمريكا ليست طرفا وسيطا للحل بين العرب وإسرائيل إنما هي جزء من المشكلة بحلفها مع إسرائيل الذي تصفع به العرب المجروحين من جرائم إسرائيل والجحيم اليومي الذي يعيشه الفلسطينيون، والعرب لا يطلبون أن يراعي الأمريكيون مصالحهم، إنما أن يراعي الأمريكيون مصالح أمريكا التي توجد مع الدول العربية وعاطفتها الشعبية؛ فهي تملك الثروات التي تحتاجها أمريكا والتعداد السكاني المؤثر والأسواق الواعدة والأهمية الإستراتجية بينما إسرائيل فقط تسخرها في دوامة من العداوات العدمية بالوساطة. والمؤرخ توني جوت البريطاني الإسرائيلي قال إن تسخير إسرائيل لأمريكا قد يجعل أمريكا خلال العقدين القادمين تتصرف مع إسرائيل كما تصرفت الإمبراطورية الرومانية مع الدولة اليهودية لما بالغت في استفزازها لمكامن المصلحة الرومانية فتخلى الرومان عن حمايتها وأزالوها، وقال إنه يتوقع أن يأتي يوم تقول فيه أمريكا لإسرائيل إن للإمبراطورية الأمريكية مصالح أهم منها، وبما أن إسرائيل بسبب طبيعتها وسياساتها ليس لها أصدقاء في العالم فتخلي أمريكا عنها سيؤدي لزوالها.
bushra.sbe@gmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة